مقدمة

عانى جاك لندن منذ طفولته أحداثاً كثيرة فقد وجد نفسه مرة ابناً للشارع، ومرة يقبض عليه، وينال من الضرب الكثير لعله يرتدع، لقد عاش داخل ملجأ في نظام صارم يتوق إلى الحرية والفوضى واللعب وإبراز القوة وفنون الاحتيال والخداع. فهو نتاج زواج غير شرعي لأبوين لم يعرفهما إلا في سنوات طفولته الأولى، حين كانا يتبادلان الأدوار في رؤيته بين أسبوع وآخر، وبقدر ما كان الأبوان يودان الالتصاق به، وتلبية طلباته ورغباته في أيام الأسبوع، كان هو يتوق إلى الحرية، واللعب، فكان يتحين غفلة الوالدين ليهرب من رقابة أعينهم فيقضي الساعات متجولاً في الحدائق، ومراقبة الطيور، والتقلّب على الأعشاب والمروج، وحين يجوع يغافل أصحاب المحلات فيسرق ما تصل إليه يداه.

هرب من المأوى الذي عاش فيه سنوات طفولته الأولى، بعدما أحس أن المأوى تحول إلى سجن حقيقي ما عادت له القدرة على تحمل أوامره وأنظمة العيش فيه، وراح يعمل أي عمل ولو كان وضيعاً ليؤمّن لقمة عيشه، حتى عثر عليه والده وضمّه إلى أسرته واعتنى به بعدما ذاق مرارة العيش طريداً. وحاول والده أن يرمم حياته حين بدأ تعليمه، واستقدم إليه بعض الأساتذة ليدرّسوه بعض العلوم، فأعاده إلى توازنه الاجتماعي، لكنه لم يحظ بتدريس منتظم داخل المدارس، ولم يعرف أي تعليم في شبابه، سوى اجتهاده الشخصي.

هذه الحياة الصعبة صبغت حياته بالمرارة والأسى، إلى أن التحق للعمل في أحد المناجم نهاراً، وفي الليل راح يجرب حظه في كتابة القصص والمغامرات، وراح يقرأ لرفاقه ما يكتبه، فحازت كتاباته التقدير والثناء، وأصبح هو من أهل الحظوة بينهم، بعدما نُشرت كتاباته في المجلة التي كانت مهتمة بأخبار المناجم، وبعدما رأى العمال قصصهم وأجزاء من سير حياتهم ومعاناتهم منشورة في المجلة عبر قصص باسم جاك لندن.