مقدمة

تعدّ القصة القصيرة جداً فناً أدبياً قديماً حديثاً، حيث كانت جذور هذا الفن تتمثل قديماً في بعض كتب التراث في أدبنا العربي، من مثل أخبار البخلاء والأحاجي وكتب النوادر والألغاز. أما حديثاً فهي تتمثل في بعض كتابات ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران ونجيب محفوظ في كتاباته الأخيرة، وغيرهم من الكتاب الأحدث زمنياً، كزكريا تامر ووليد إخلاصي ووليد معماري. كذلك كان لهذا الفن وجود في الغرب في مطلع القرن العشرين، فقد برز مصطلح القصة القصيرة جداً في أمريكا اللاتينية، مع أرنست همنغواي عام 1925م، عندما أطلق على إحدى قصصه، قصة قصيرة جداً، وكانت مؤلفة من عدة كلمات، وهي بعنوان: "للبيع: حذاء طفل، لم يلبس قطّ". أصبحت القصة القصيرة جداً فناً أدبياً له خصائصه وتقنياته وأركانه وكتّابه ونصوصه في أواخر القرن العشرين، مع دراسة " القصة القصيرة جداً" ، تأليف: أحمد جاسم الحسين، عام 1997؛ تبعه مجموعة من الدراسات والأبحاث، منها: "القصة القصيرة جداً بين النظرية والتطبيق" تأليف: يوسف حطيني، عام 2004م؛ و " القصة القصيرة جداً في المغرب، تصورات ومقاربات" تأليف: سعاد مكين، عام 2011م؛ و "القصة القصيرة جداً، سؤال النوع وتطور السرد" تأليف مجموعة من الكتاب أعمال ملتقى الشارقة العاشر للسرد العربي، عام 2014م. بدأ للقصة القصيرة جداً حضور في الساحة الأدبية سواء من خلال المجموعات الصادرة، إذ بدأ الكتاب يفردون لها مجموعات قصصية كاملة بعد أن كانت القصص القصيرة جداً تتضمن المجموعات القصصية القصيرة، أم حضور من خلال عقد الندوات والمؤتمرات والأمسيات الأدبية الخاصة بهذا الفن الوليد بسماته وخصائصه الفنية الجديدة. وقد انتشر هذا الفن انتشاراً واسعاً في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وربما نعزو انتشاره هذا إلى تناسبه مع متطلبات عصرنا من سرعة واستسهال وتكثيف وحاجة إلى التعبير وتنوع في الموضوعات والطروحات والرؤى. إلا أن هذا لا يمنع أن القصة القصيرة جداً فن صعب المراس والكتابة، يتطلب دقة ومهارة وتمكناً من الأدوات الثقافية والمعرفية والفنية واللغوية والأسلوبية، إنه بكلمات أخرى فن الممكن المستحيل.